الثلاثاء، 20 سبتمبر 2011

الصواعق الكهربية.. سلاح ذو حدين!!




صالح: تعرضت للهجوم فاشتريته للدفاع عن النفس فقط
إيمان: وجوده بحوزتي يشعرني بالأمان في غياب الشرطة
البلطجية يستخدمونه لإرهاب المواطنين وسرقتهم
-التجار:
الأسعار تتراوح ما بين 25 إلى 600 حسب النوع والحجم
الشباب والتجار أكثر الفئات المستخدمة للصواعق الكهربية
الخبراء:
القطري: القانون يجرم اقتناءه وتقاعس الشرطة سبب انتشاره
د. حسام إبراهيم: يسبب ضمورًا بالأعصاب ويؤدي للوفاة
د. عزة كريم: الإعلام روج لها وعودة الأمان يقضي عليها
تحقيق- مي جابر:

انتشر "الصاعق الكهربي" بشكل لافت للنظر في الفترة الأخيرة داخل الشارع المصري خاصة مع غياب الشرطة وتقاعسها عن أداء الدور المنوط بها في تأمين المواطن، وكأنها ما زالت على عهدها مع المخلوع بنشر الفوضى التي بدأتها بفتح السجون وإخراج البلطجية ليحيلوا حياة هذا الشعب إلى جحيم متأجج عقابًا على ثورته ورفضه ظلم المخلوع، حتى تتفجر ألسنة الضعفاء بالقول "نار المخلوع ولا جنة الثورة!!!".

وبالرغم من أن الشرطة لديها قوائم بأسماء البلطجية وأماكن تواجدهم، لكنها تتقاعس عمدًا عن القبض عليهم خاصة، لأن علاقة ضباط الشرطة بالبلطجية قوية، وتربطهم بهم صلات ومودة، فهم الذين كانوا يستأجرونهم لقمع المتظاهرين وترويع المواطنين وإفساد الانتخابات والمشاركة في تزويرها، فإذا فتحت هاتف أي من ضباط الشرطة لوجدت عليه قائمة طويلة من أرقام هواتف البلطجية.

هذا التقاعس المتعمد من الشرطة عن أداء عملها دفع المواطنين في الشارع المصري على اختلاف طبقاتهم إلى اقتناء الصواعق الكهربية، حيث يتخذه البعض وسيلة للدفاع عن النفس من أخطار البلطجة، فيمثل هذا الجهاز بالنسبة للكثيرين الحصن والسلاح الذي يردع أي شخص تسول له نفسه الاعتداء على الآخرين، فضلاً عن استخدام بعض البلطجية له في تثبيت المارة والسطو المسلح عليهم.

وعلى الرغم من حظر تداوله في سوق الأسلحة المصرية وفقًا لتعليمات أمنية، إلا أن بعض الدول مثل الصين وجدت منفذًا تجاريًّا للترويج لهذه السلعة مستغلةً حالة الانفلات الأمني بعد الثورة المصرية، حيث أغرقت السوق المصري بالصواعق الكهربية المختلفة.

وتختلف الصواعق الكهربية حسب قوة الشحنات الصادرة منها والتي تبدأ من 12 فولتًا وتصل في بعض الأحيان إلى 100 ألف فولت، وتتراوح أسعارها داخل السوق المصرية ما بين 25 جنيهًا إلى 600 جنيه حسب النوع وبلد الصنع وقوة الصدمات التي يصدرها.

وتعالت مؤخرًا الأصوات المحذرة من انتشار هذا الجهاز بشكل جنوني بين المصريين، حيث قد يتسبب في توقف عضلات القلب وضمور الأعصاب، إذا زاد استخدام الصواعق عن الدقيقة، كما يلجأ المجرمون والبلطجية لاستخدامه لإرهاب المارة ومحاولة سرقة متعلقاتهم.

(إخوان أون لاين) قام بجولة في أماكن بيع الصواعق الكهربية لبحث أسباب انتشارها في الشارع المصري وأخطارها وقانونية استخدامها في سطور التحقيق التالي:

يقول محمد صالح- مدير صيدلية- إنه لجأ لشراء الصاعق الكهربي بعد أن تعرض للاعتداء من البلطجية، موضحًا أن ظروف عمله تجبره على البقاء حتى وقت متأخر من الليل، مما يعرضه لخطر البلطجية ومدمني الأدوية المخدرة الذين يقتحمون الصيدليات للحصول عليها، مضيفًا: "لا آمن دخول بلطجي مسلح عليّ في منتصف الليل وإيذائي بسلاح أبيض لا أستطيع أمامه الدفاع عن نفسي وحماية صيدليتي".

ويشير إلى أنه يعلم جيدًا ما يمكن أن يسببه الصاعق من أذى، حيث إنه مصمم خصيصًا ليفقد وعي من يتعرض له، مبينًا أنه لا سبيل له سوى استخدامه حتى لا تتعرض حياته للخطر، حيث يعطي له الفرصة أن يطلب الشرطة خلال فترة فقدان البلطجي لوعيه أو إحضار شيء لإرهابه ويضمن السلامة لنفسه وعمله.

إرهاب المارة

 الصورة غير متاحة
 صاعق كهربائي
ويحكي محمد عبد الحفيظ عن معاناته من هذا السلاح فيقول إن هناك بلطجيًّا يدعى "رامي الهلوتي" يثير الرعب بين أهالي منطقة مساكن المشروع الأمريكي بحلوان بهذا الجهاز، حيث يقوم بـ"تثبيت" المارة والاستيلاء على متعلقاتهم، هذا إلى جانب إرهاب المواطنين بدون داعي، مؤكدًا أن الأهالي حاولوا أكثر من مرة إبلاغ الشرطة عنه ولكنها لم تستطع أن تردعه عن هذه الأفعال.

ويطالب الشرطة بالعودة بقوة للشوارع وتوقيف البلطجية والمجرمين، حتى يشعر رجل الشارع العادي بثمار للثورة العظيمة، مستنكرًا تباطؤ الشرطة في القبض عليهم على الرغم من علمهم بأماكن تواجدهم.

وتضيف إيمان محمود- ربة منزل- أن زوجها اشترى لها الصاعق الكهربي بعد الانفلات الأمني الذي حدث بعد 28 يناير، قائلة: "زوجي يعمل ضابطًا بالجيش، ويضطر للمبيت لعدة أيام في عمله، ويخشى عليَّ اعتداء البلطجية وخاصة أنني أركب التوك توك كثيرًا في أماكن زراعية أثناء زيارتي لوالدتي".

وتوضح أن زوجها طلب من أحد زملائه في العمل أن يشتريه له من الولايات المتحدة أثناء سفره هناك، ومنذ ذلك الوقت وهو لا يفارق حقيبتها استعدادًا لأي هجوم من البلطجية، مؤكدة أنها لم تستعمله منذ شرائه على الرغم من أنها تحمله منذ ما يقرب 4 أشهر.

بينما لجأت جيهان عبد الله- ربة منزل- لشراء الصاعق الكهربي لابنها الذي لا يتجاوز عمره الأربعة عشر عامًا بحجة أنه لا يجيد الدفاع عن نفسه أثناء المشاجرات بينه وبين قرنائه، مشيرةً إلى أنها تشعر بالأمان أكثر عليه وهو بحوزته، على الرغم أنه قد يؤذي به أصدقاءه أثناء لعبهم بالشارع.

تجارة رائجة

 الصورة غير متاحة
الزميلة مي جابر مع أحد بائعي الصواعق أثناء جولتها
وأثناء جولتنا لمعرفة مصدر هذه الصواعق وأماكن بيعها ومدى إقبال الناس على شرائها، وجدنا بائعيها ينتشرون على أرصفة الشوارع الحيوية بمنطقة وسط البلد مثل شارع 26 يوليو وشارع عبد العزيز، وفوق محطة مترو العتبة، ففي أحد الشوارع الجانبية يقف أحد البائعين الجائلين يعرض بضاعته ويمسك بيده أحد الصواعق ويصدر منه صوتًا مزعجًا ليلفت نظر المارة ويجذب الزبائن، وبسؤاله عن أنواع الصواعق وأسعارها قال إنه يبيع نوعين أحدهما بـ170 جنيهًا والآخر بـ150 جنيهًا، ليتميز الأول عن الثاني بشدة الشحنات الكهربية التي يصدرها، على الرغم من أن المنتجين صناعة صينية.

ويوضح سيد متولي أحد الباعة الجائلين بشارع عبد العزيز أن الصواعق الكهربية وجدت لها سوقًا رائجًا خاصة بعد الثورة، نظرًا للانفلات الأمني وارتفاع نسبة الجرائم بالشوارع، مبينًا أن أكثر الفئات التي تقبل على شرائه هم الشباب الذكور، على الرغم أنه مشهور استخدامه بين الإناث.

ويضيف عبد الله أشرف أن انخفاض أسعاره جعلته سلعة سهلة يستطيع أن يحصل عليها كافة شرائح المجتمع المصري، حيث تبدأ الأسعار من 25 جنيهًا لتصل إلى 600 جنيه في بعض الأنواع، ويرجع تفاوت الأسعار إلى البلد المصنعة سواء كانت الصين أو كوريا، مشيرًا إلى أن التجار والباعة يستعينون به في حماية بضاعتهم من اللصوص والبلطجية كسلاح للدفاع عن النفس.

ممدوح عبد الرحيم- بائع بشارع 26 يوليو- يقول إن أسعار الصواعق تتفاوت طبعًا لقوته وحجمه أيضًا، إذ إن هناك أحجامًا تصل إلى حجم كف اليد، وأخرى أكبر منها، ليقبل المستهلك على الأحجام الأصغر لسهولة حملها واستخدامها، مؤكدًا أنه لا يعلم أن القانون يجرم تداوله بين المواطنين بدون تراخيص، ولا يعتقد أن الحكومة ستطبقه حتى تعود الشرطة مرة أخرى لعملها وتؤمن المواطنين من أخطار البلطجة.

إصابات ووفيات
أما الأخطار الصحية التي يسببها الصاعق الكهربائي فيوضح الدكتور حسام إبراهيم أستاذ المخ والأعصاب بجامعة بنها أن أخطار الصواعق الكهربية تتفاوت طبقًا لطريقة استخدامها وما تصدره من شحنات، حيث إن هناك أنواعًا لا تفصل إلا إذا أراد حاملها ذلك وهو الأخطر على الإطلاق.

ويؤكد أن الشحنات الصادرة من الجهاز تفسد نبضات الجسم وينتج عنها خلل في العمل، وهو ما يؤدي إلى فقدان الوعي، الذي يعرض الإنسان إلى العديد من الأخطار بسبب الارتطام المفاجئ بالأرض ومنها ارتجاج المخ والنزيف والإصابات المختلفة وصلاً بالخدوش، مضيفًا أن التعرض لصعقة قوية خلال مدة طويلة تؤثر على مخ الإنسان على مدى ممتد، قد ينتج عنه عطب دائم وضمور بالأعصاب.

ويشير إلى أن تاثير الصدمة الكهربية قد يصل إلى القلب الذي يعمل من خلال إرسال نبضات لكل أنحاء الجسد، مما يؤدي إلى التوقف المفاجئ للقلب قد ينتج عنه الوفاة، مؤكدًا أن جميع الأصناف المنتشرة بالسوق مصنوعة بهدف إفقاد الوعي ولذلك فهي جميعها تحمل نفس الخطورة.

أسلحة غير قانونية
من الناحية القانونية يؤكد عميد الشرطة السابق محمود القطري أن قانون العقوبات المصري يمنع حيازة أو تداول الصواعق الكهربية، إذ لا يوجد في القانون ما يجيز استخدامه حتى لو بحجة الدفاع عن النفس، فيعتبره أداة من أدوات الإيذاء مثل "المطواة" والأسلحة البيضاء، مشددًا على أن القانون يجرم الصعق بالكهرباء أو التهديد بها سواء كانت بالصاعق الكهربي أو غيره.

ويرجع أسباب انتشار هذا السلاح إلى الانفلات الأمني وضعف الحكومة، وعجزها عن إعادة الأمان للشوارع، حتى ساد بين المواطنين مبدأ الاعتماد على النفس في ردع البلطجية والمجرمين، متهمًا وزير الداخلية الحالي اللواء منصور العيسوي بالتقاعس عن إعادة الشرطة بشكل جدي وحماية الناس وإزالة الذعر من نفوسهم.

ويصف القطري الآثار الناتجة عن انتشار هذا الجهاز بالكارثية، حيث يستخدمه الأشقياء في توقيف المارة والاستيلاء على أموالهم ومتعلقاتهم، موضحًا أن الهدف الأساسي لاستخدامه هو الدفاع عن النفس، إلا أن هناك الكثيرين يسيئون استخدامه، مما يمثل خطرًا اجتماعيًّا وأمنيًّا كبيرًا.

أسلحة انتقالية
على الصعيد الاجتماعي أرجعت الدكتورة عزة كريم أستاذ علم الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية أسباب انتشار الأسلحة الخاصة بالدفاع عن النفس إلى طبيعة المرحلة الانتقالية، التي تتسم بشدة الصراع بين الجديد والقديم، فالجديد يسعى لفرض ثقافته ونفسه على الأوضاع الجديدة، أم القديم فيخشى الموت والمحاسبة، ولذلك يعمل بكل ما أوتي من قوة لاستعادة مكانته مرة أخرى، مؤكدةً أن هذا الصراع لا بد أن ينتج عنه فوضى عن طريق البلطجية الممولين لإشاعة الخوف والذعر بين الناس، وخاصة بعد إخراجهم من السجون خلال الأيام الأولى للثورة.

وتتابع قائلة: "إن هذا الصراع سيستمر إلى أن يتأكد فلول النظام البائد من أن الثوار لن يسمحوا لهم بالعودة مرة أخرى وأن أحلامهم بتدمير الثورة المصرية باءت بالفشل، وعندئذٍ سيعود شعور الأمن والاطمئنان للمواطنين تدريجيًّا، وتختفي مثل هذه الأسلحة الدفاعية".

وتضيف د. كريم أن الإعلام لعب دورًا في الترويج للفوضى والذعر الشديد من التعرض للبلطجة والسرقة والاعتداء، حيث لا يركز الضوء إلا على الجانب الفوضوي في البلاد فقط، فلا حديث سوى عن البلطجية والاعتداءات التي تحدث في الشوارع، موضحةً أن هذه الحوادث لا تمثل سوى نسبة قليلة جدًّا، ولكن تسليط الضوء عليها يضخمها ويزيد من حجمها، وفي المقابل لا تنظر وسائل الإعلام إلى الجانب المشرق من الايجابيات التي لمسها المواطنون بعد الثورة.

وتشير إلى أن النتيجة الطبيعية لكل هذه الأسباب هي أن يشعر المواطنون بالرعب والخوف الشديد، مما يدفعهم إلى البحث عن أي وسيلة للدفاع عن النفس من بينها الصاعق الكهربي، فضلاً عن استغلال التجار لهذه الظروف وأغرقوا الشوارع المصرية بهذا النوع من الأسلحة، مشددةً على ضرورة مراعاة وسائل الإعلام لنفسية المواطنين والحرص على عدم بث الروح السلبية بينهم، فهذا هو دورها الأساسي وخاصة في المراحل الانتقالية.

وتفرق بين عدة أنواع من مستخدمي هذا السلاح، أولهم الدفاع عن النفس في هذه المرحلة المضطربة، حيث يعطي لحامله نوعًا من أنواع الاطمئنان إذا هاجمه بلطجي حتى تأتي الشرطة وتلقي القبض عليه، أما ثانيهم: فهم الشباب الذين يحملونه من أجل "المنظرة"، وقد يتخذها البعض كوسيلة لمشاغبة المارة في الشوارع و"معاكسة البنات"، فهم يتعاملون معها بصفتها سلعة تضيف شيئًا من الوجاهة على مستخدمها.

وتكمل: "هناك نوع ثالث يستخدمه من أجل ترويع الناس والعنف وممارسة البلطجة عليهم، حيث يستخدمونه في توقيف المارة لسرقة ممتلكاتهم، وهذا النوع يحمل الكثير من الأسلحة، ويجب العمل على إعادتهم للسجون حتى يعود الأمن للشوارع المصرية".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق